متى يجب على المرأة التخلي عن التجميل؟

متى يجب على المرأة التخلي عن التجميل؟


لم يعد التجميل بالنسبة لامرأة اليوم من الكماليات التي تلجأ إليها في المناسبات أو عند الإمكانية المادية المتاحة، بل أصبح ضرورة حقيقية وفعلا يوميا لا يمكن الاستغناء عنه، حتى وإن كان العامل المادي غير متوفر أو غير كاف

.

لكن متى تقول المرأة يكفي للتجميل؟ أو متى يتحول التجميل إلى أزمة اجتماعية تدفع بالكثيرات إلى مكان خاطئ؟

يحيلنا هذا السؤال إلى عدة نقاط قبل الإجابة عنه، النقطة الأولى تكمن في الأهمية التي تدركها المرأة بأن تكون جميلةً، وهنا لا يسعنا إلا أن نثق بفكرة عدم وجود امرأة لا تدرك أهمية الجمال، سواء في حياتها العائلية أم في العمل وأثناء علاقاتها مع بقية المجتمع حيث تلتقي بالآخرين دائماً، من الرجال والنساء.

فإلى جانب أنه يمنحها راحة نفسية وثقة عالية بذاتها، يمكن للجمال أن يقود المرأة إلى النجاح فعلاً، على الرغم من أن كثيرين من أصحاب العمل والمؤسسات والجهات قد يؤكدون تفضيلهم الكفاءة المهنية على المظهر الخارجي، لكنهم لا يستطيعون أبداً التغاضي عنه أو عدم أخذه بعين الاعتبار، خاصةً في المهن التي تتطلب ظهوراً مميزاً للمرأة، كالإعلام المرئي على سبيل المثال.

النقطة الثانية تأخذنا نحو رصد الواقع الذي تعيشه المرأة في مجتمعاتنا العربية، وعلى الرغم من أننا لن نستطع تقديم صورة متكاملة عن شرائحهن المختلفة والمتفاوتة اجتماعياً ومهنياً واقتصادياً وحتى جغرافياً، إلا أنه يمكننا التطرق إلى الحديث عن اللواتي يسكن المدن ويتمتعن بحياةٍ اجتماعية واقتصادية جيدة في بعض الأحوال.

وتتمثل النقطة الثالثة في مدى الاستعداد والجاهزية التي تمتلكها المرأة للانصياع وراء الموضة والتجميل وما إلى ذلك. وهنا لا بد من التطرق إلى الوسط المحيط أو البيئة الحاضنة لها. فليس من الطبيعي تجاهل ما يجري في مجتمعاتنا من تغيرات لها علاقة أولاً وأخيراً بالتطور التكنولوجي والتقني. الشيء الذي يؤثر دون مبالغة في الشكل أو النمط العام لحياة نسائنا، وبالتالي ينعكس على الشكل الخارجي وطريقة تعاملهن معه، خاصةً في الدول الأكثر تطوراً وراحةً ماديةً (وفرة في المال) من غيرها مثل دول الخليج العربي.

فالراحة المادية والتطور التكنولوجي الذي يتضح في أجهزة المنزل، يؤمنان للمرأة وقتاً من الفراغ للاهتمام والاطلاع على ما تحتاجه للاهتمام بمظهرها والاعتناء بنفسها من جهة، كما أنهما يوفران لها طريقة سهلة للتعرف على أحدث منتجات وأجهزة التجميل والحصول عليها بكل سهولة وبساطة، من جهةٍ أخرى.

ويفتحان المجال أمامها للتواصل مع غيرها من النساء اللواتي يحملن ذات الاهتمامات عبر منتديات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، مما يطرح فكرة "التجربة" كآلية يجب أخذها بعين الاعتبار قبل الحصول على أي منتج.

من هذه النقطة ننطلق نحو موضوع بدأ يشغل كثيرين اليوم من الباحثين وغيرهم، ويصب في مدى تأثير المجتمعات الحديثة بكل صفاتها الاستهلاكية على فكر وشكل المرأة، حيث تحولت أساليب التجميل من أساليب بسيطة تظهر الجمال الخارجي بأبسط التفاصيل، إلى أساليب معقدة تتحول في كثير من الأحيان إلى عمليات جراحية تفضي بالنهاية إلى ما يسمى "استنساخ المظهر العام".

فقد استبدلت الفضائيات التلفزيونية الجمال الطبيعي للمرأة بآخر مصطنع تحدده عمليات التجميل التي بات يروّج لها من خلال برامج مخصصة وإعلانات لمستشفيات وأطباء مشهورين يندرجون جميعهم تحت عنوان "الجراحة التجميلية".

وعند هذه الفكرة بالذات، على المرأة أن تقول لا، يكفي ذلك! وأن تذهب إلى وسائل طبيعية بسيطة تساعدها في صنع رونقها الخاص بنفسها، حيث أن التجميل يمكن أن يكون في بعض الأحيان فناً راقياً له خبراؤه الذين درسوا طرقه وأساليبه عبر أكاديميات مشهورة على الصعيد العالمي وليس العربي فقط.

كذلك فإن الاهتمام الزائد لدى المرأة العربية بمظهرها الخارجي، أخذ من وقتها وحياتها الكثير الكثير، وجعلها تشبه الثقافة الاستهلاكية التي تعيش ضمنها، تهتم بالشكل على حساب المضمون، وتبتعد عن المواضيع والأفكار الإنسانية والثقافية المهمة وتمشي في طريق يوصلها في نهايته لأن تكون دميةً مستنسخة تشبه غيرها من الدمى المتواجدة في الشارع والعمل والأسواق التجارية.

لقد أصبح من الخطورة، ما نراه اليوم من سيادة الصورة والشكل مقابل المضمون والكلمة والفكرة. إنها ثقافة عامة لا تنطبق فقط على فن التجميل، إنما تتعداه لجميع نواحي مجتمعاتنا العربية اليوم. لذا فمن الطبيعي أن يحتل المظهر الخارجي المكانة الأولى، فيما يغيب عن الساحة ضرورة الانتباه لكل ما هو طبيعي، ولكل ما هو روحاني. إلى جانب غياب فعلي للثقافة العامة بتجلياتها المختلفة على أرض الواقع.

إن ما ذكرناه عن فن التجميل وضرورة الحد من العمليات الجراحية، لا ينكر أهميتها في حياة البعض عند الحاجة الملحة إليها.

ولكن الاعتراض هنا هو على تحولها إلى عمليات استنساخ تحوّل بدورها المرأة إلى نمط لا أكثر، وتنزع عنها صفة "التفرد" الذي هو من حقها أساساً والذي يتحقق إذا ما استخدمت التجميل الذي لا مبالغة فيه.
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...